المتحولون – البداية

            المتحول هو شخص يمتلك تلك الموهبة الفائقة على التحول الفكري من توجه إلى آخر اعتماداً على أي التوجهات قد يجلب له المنفعة الأكبر والأكثر من غيرها من التوجهات الفكرية، وهو لا يعتمد في ذلك على ما يتفق مع آرائه وعقيدته الفكرية قدرما يعتمد على أيهم يجلب المنفعة المادية والرونق المجتمعي أكثر من غيره، فهو لا يمانع القفز من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين لمجرد حقيقة أن كفة الأخير هي الراجحة حالياً وأن كفة الأول لم تعد بنفس ذات القوة مع تغير الظروف والعوامل المحيطة به. 

            جميعنا يتذكر دائماً القصة الموروثة عن تاجر ما من الباشاوات كان يعظم الملك فاروق ويمجد شخصه ولكن فور ظهور أول ضوء يؤكد نجاح انقلاب يوليو قام بكتابة إعلان في الجرائد يشكر فيه الضباط الأحرار على ثورتهم على النظام الفاسد وتوليهم أمور البلاد .. وما لبث أن سمع عن انقلاب ناصر على محمد نجيب حتى سارع في اعتناق الأفكار الناصرية التي أراد عبدالناصر أن يوهمنا أنها المبادئ الاشتراكية رغم أنها كانت لا تتعدى مجرد نظرته الخاصة للاشتراكية والتي أدت طريقة تطبيقه لها إلى الكثير من المشاكل الكارثية التي عانت ولازالت تعاني من بعضها البلاد حتى الآن .. ثم فجأة ساند هذا التاجر انفتاح السادات وشكر كثيراً بعد رؤية مبارك الاقتصادية الثاقبة التي ستعلي شأن مصر وتجعلها في مصاف الدول المتقدمة؛ هو مجرد كائن طفيلي آخر يتغذى على دم المضيف المناسب.
            كمثال آخر؛ لي صديق جمعني به عمل تطوعي في الجامعة، كان عضو مرموق في لجنة شباب الحزب الوطني قبل الثورة وكان أحد المرشحين بشدة دائماً للكثير من المناصب في اتحاد الطلبة رغم الغباء السياسي المدقع الذي يتمتع به، هذا الشاب لم يجد أي مانع في إظهار أنه عضو في الحزب لمجرد إخراج نفسه من مأزق كلامي مع المشرف الأكاديمي للاتحاد ذات مرة، وهو لم يكن يجد أي مشكلة في كتابة بعض التقارير في زملائه من الحين للآخر وكنت أنا من ضمن هؤلاء أكثر من مرة على أقل تقدير، وهو أيضاً لم يجد أي مانع في أن يقول لي –ساخراً- حينما قابلني في الرابع والعشرين من يناير -أي قبل الثورة بيوم واحد- نصاً “أيه يابني هتعملوا أيه بكرة ؟هتجمعوا نفسكم في التحرير وتولعوا في نفسكم ولا أيه ؟! ها ها ها” المشكلة أن نفس ذات الشخص فوجئت به بعد عودة الانترنت في مصر يحدثني عن بطولاته وهو يقذف الطوب على عساكر الأمن المركزي في الثامن والعشرين من يناير، وعن مدى شعوره بالراحة النفسية بعد عودته لبيته في ذلك اليوم وفخره بذلك الجيل وإلخ إلخ من ذلك .. هو لم يؤمن فجأة بأن المصلحة الشخصية ليست كل شيء أو أن مصلحة الوطن تفوق في الأهمية الحالة الاجتماعية والاحترام المصطنع الذي يظهره له الكثيرون بسبب كارنيه الحزب الحاكم في محفظته، هو فقط أدرك قبل الآخرون من فصيلته قرب زوال الامبراطورية التي يحتمون بها فأخرج الكارنيه خاصته وقطعه ثم أخذ يبحث عن الكارنيه الجديد الذي له نفس المفعول في هذا المجتمع، نفس الشخص لم يجد غضاضة أبداً في الدعاية لمرسي ضد شفيق لأنه –كما ادعى- في خلاف سياسي مع الأول ولكن الأخير خلافه معه يشوبه الدم .. وهذه الفكرة قد تكون نبيلة إذا ما كانت خرجت من فم غيره بالنسبة لي على الأقل رغم كامل اختلافي معها ولكن أن تخرج منه هو  شخصياً مع هذا الكم من العداء لفصيل الإخوان في الحياة العملية خاصته فهذا يُعد تفوق ملحوظ على قمة العهر السياسي في أعتى مراحل أمجاده.
            التحول عامةً ظاهرة طبيعية وتستطيع إيجادها في الطبيعة إذا ما تفكرت قليلاً في الخلق، هي مجرد محاولة يائسة يمارسها الكائن الحي من أجل البقاء والمحافظة على النوع مع التغير البيئي المحيط، فبفضل تلك الظاهرة تضخمت زائدة الأرنب الدودية وأصبح للفيل “زلومة” على سبيل المثال .. وإذا أردت التفكر في الموضوع باستفاضة أكثر فيمكنك مراجعة نظريات دارون في النشوء والارتقاء وآخرون من علماء الأحياء، ولكن لا أظن أن زائدة الأرنب أعطته الفرصة لجني المزيد من المال أو أن الفيلة أصبحت في وضع اجتماعي أفضل مما سبق بعد استطالة أنفها كما نفعل نحن البشر.
التحول أو أسلوب حياة “عاش الملك- مات الملك” موجود عامةً لدى معظم الشعوب التي تعاني مثل ما نعانيه من فقر وجهل وضحالة فكرية، تلك المجتمعات التي تتعامل دائماً بسياسة القطيع، وهنا يدق ناقوص الخطر في تلك الظاهرة من تحولها من مجرد ظاهرة فردية لدى بعض الأشخاص الانتهازيين إلى سلوك مجتمعي يمارسه العامة دون شعور؛ أحترم كل ساند الإخوان في انتخابات الرئاسة ضد شفيق رغم اختلافي معهم وعدم اقتناعي برأيهم ولكن كيف يمكنك أن تتحول من كاره للإخوان بسبب سلوكياتهم ونهجهم فيما بعد الثورة إلى مُهَلّل بكل كبيرة وصغيرة يقوم بها مرسي في حياته اليومية .. كيف يفكر شخص هتف يوماً ضد الإخوان –مثلاً- أن ينشر صوراً للدكتور مرسي وهو يصلي ويتغنى بمدى تقواه وورعه وقربه من الله ؟! أو أن يصدق كلام منشور على الانترنت عن لسان مهندس بترول ما يقسم بأن الانتاج زاد فجأة بنسبة 25% بعد إعلان النتيجة مباشرةً ؟! وعلى الناحية الأخرى فهناك أشخاص كثر ممن ساندوا شفيق كانوا متواجدون في الميدان منذ ما يزيد عن السنة من الآن يهتفون بسقوطه هو وحكومته، ولكن لمجرد كراهيته المفرطة للإخوان سواء بسبب سياساتهم الفاشلة أو بسبب تأثر تلك الفئة بجرعة مكثفة من الإسلاموفوبيا فهو لا يجد أي غضاضةٍ من أن يضرب عرض الحائط بكل أفكاره ووعقيدته الثورية كاملة لمجرد أن يراهم يخسرون .. فمالكم جميعاً كيف تحكمون ؟!
للأسف فإن صناعة الطواغيت –وهي الصناعة الوحيدة التي نجيدها نحن المصريون- لا تأتي إلا من نهج التحول عندما يصبح ظاهرة مجتمعية يمارسها الجميع بالفطرة، فكفوا أرجوكم عن التباهي بأن الرئيس يصلي الفروض جميعها في المسجد لأن هذا من المفترض أنه نهج كل مسلم وهو لا يتميز فيها بشيء عن غيره من الملتزمين دينياً ولأنها أيضاً أشياء شخصية يمارسها كل من هم تحت الأضواء ولا يمكن أن تميز بين من هم سيئون ومن دون ذلك إلا من نيتهم .. والنوايا ليست محل نقاش بين أناس يتدبرون، ودعونا لا ننسى أن بشار الأسد والقذافي كانوا يصلون أمام الكاميرات وأن –أيضاً “دينا الرقاصة” تقرأ الفاتحة قبل كل فقرة لها في إحدى كباريهات شارع الهرم، وأنها أدت فريضة الحج في العام قبل الماضي، وأذكركم فقط أن مبارك لم يتحول إلى ذلك الطاغوت الذي كان عليه إلا بعد مبايعة الدم التي تمت له من أعضاء المجالس التشريعية والوزراء قبيل نهاية فترته الرئاسية الأولى، والتي كان –كعادته- لم يكن ينتوي الترشح بعدها ولكنه رضخ للضغوط الشعبية عليه.
 
عاصم شاهين.
1-7-2012

Leave a comment